الدور الأميركي السري في ثورات أوروبا الشرقية و”الربيع العربي”

Spread the love

بقلم: د.محمد عبدالرحمن عريف* — صدر العديد من الكتب والدراسات والمقالات التي تطرقت إلى الدور الذي قد تكون لعبته الولايات المتحدة الأميركية في تأجيج الاضطرابات التي عمت بعض الدول العربية والتي رفعت جملة من المطالب الاجتماعية غير أنها ما لبثت أن تحولت إلى مناداة بإسقاط النظم الحاكمة باسم نشر الديمقراطية. وفي خضم زخم هذه المؤلفات والمقالات والدراسات استرعى اهتمامي كتاب بعنوان (أرابيسك أميركية: الدور الأميركي في الثورات العربية)
(Arabesque Americaine: Le Role des Etats Unis dans les revoltes de la rue Arabe)
الذي تم إطلاقه في (مكتبة العالم الثالث) في العاصمة الجزائرية في بداية شهر أيار/ مايو 2012، وقد اعتبر هذا الكتاب أول دراسة مدعومة بالوثائق الدامغة التي تتحدث عن الدور المشبوه الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية من خلال أجهزة مخابراتها وسفاراتها ومؤسساتها ومعاهدها ومنظماتها في تأجيج الشارع العربي بشتى الوسائل.
يضم الكتاب ستة فصول تطرق فيها المؤلف أولاً إلى الثورات الملونة قبل أن يستعرض دور المنظمات الأميركية في تصدير النموذج الديمقراطي الأميركي ويركز على الحالة المصرية ومختلف الدول العربية الأخرى التي هزتها الاضطرابات مع إدراج قائمة طويلة تضم المنظمات الأهلية والمؤسسات والأفراد والتمويلات – دولة بدولة.
يستعرض المؤلف عملية التمويل الأميركية السرية وتدبير “الثورات الملونة في أوروبا الشرقية والإطاحة بالأنظمة والحكومات من قبل شباب موالٍ للغرب علماً أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والبنتاغون قد لعبا دوراً ميدانياً في تأجيج هذه الحركات الانقلابية فيما تعهدت منظمات أميركية أخرى بالتمويل وخاصة (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) (USAID) – و(الصندوق الوطني للديمقراطية) (National Endowment) و(فريدم هاوس)، إضافة إلى مؤسسة (البرت إينشتاين). بل إن الكثير من أولئك الذين خططوا لهذه “الثورات الملونة” قد وضعوا “خبرتهم” للمساعدة في إشعال فتيل “الربيع العربي”.
يحلل المؤلف دول معاهد البحوث والدراسات (Think Tanks) والمنظمات والمؤسسات الأميركية بما في ذلك التمويلات التي تحصل عليها وأنشطتها الرامية إلى زعزعة الأمن والاستقرار (تجسس- تزوير الانتخابات – تأجيج الاضطرابات الشعبية) في بلدان مثل فنزويلا وبوليفيا وكوبا وجورجيا وأوكرانيا وغيرها.
يبرز المؤلف دور وزارة الخارجية الأميركية وبقية هذه المؤسسات في توظيف التقنيات الجدية من أجل زعزعة استقرار الأنظمة والدول في “منطقة الشرق الأوسط” وهو يركز خاصة على مشروع (TOR) الذي طورته شركة (غوغل) و(مختبر البحوث) التابع للبحرية الأميركية و(مؤسسة هيومان رايتس ووتش) المرتبطة بوزارة الخارجية الأميركية> يسمح هذا البرنامج لمستخدمي الانترنت في الدول المستهدفة بالإفلات من الرقابة، علماً أن هذا البرنامج ممنوع في داخل الولايات المتحدة الأميركية. ويبرز المؤلف الدور الذي لعبته (Movements.org) وتحالف الحركات الشبابية في نشر وسائل التواصل الاجتماعي في صفوف النشطاء الشباب.
يركز المؤلف، في فصل مستقل، على الحالة المصرية وهو يبرز خاصة الدور الذي لعبه موظف شركة (غوغل) وائل غنيم الذي منح إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر من أجل المشاركة في تأجيج التظاهرات في مصر وهو الذي أطلق صفحة على شبكة “الفيسبوك” باسم “كلنا محمد البوعزيزي”.
يستعرض المؤلف (الحركات المساندة للديمقراطية) في الدول العربية، وخاصة منها البحرين والجزائر ومصر والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين وتونس واليمن، والتي ظلت تتلقى التمويل السخي من وزارة الخارجية الأميركية وبعض المؤسسات الأميركية المختصة بـ”التلاعب” بالديمقراطية.
يحلل المؤلف الإشكاليات الأخلاقية التي واجهت العديد من النشطاء المصريين عندما علموا أن الكتيبات التي سلمت لهم من السلطات الأميركية والتي تروّج لأساليب اللاعنف كانت من إعداد المؤسسات والمعاهد البحثية الممولة مباشرة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية – الـ”سي آي أي”.
الكاتب يقول هنا إن كتابه لا يندرج في إطار نظرية المؤامرة الغربية، كما أنه لا يسعى للدفاع عن الأنظمة العربية القائمة على طمس ما قد يتصوره البعض. لذلك فقد حرص على أن يلتزم أقصى درجة من الموضوعية بالاعتماد على كم كبير من الوثائق التي تدعم الكلام الذي أورده، والذي يؤكد أن الدوائر الدبلوماسية الأميركية قد لعبت دورًا كبيرًا في الخفاء في تحريك الشارع العربي من أجل تحقيق أجندة تتوافق مع المصالح الحيوية الأميركية. حيث لعبت هذه المنظمات الحكومية وغير الحكومية الأميركية دورا كبيراً في (تدريب) و(تكوين) وتمويل النشطاء الذين كانوا يستخدمون شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من تونسيين ومصريين وسوريين وجزائريين وبحرينيين.
لقد كتب المؤلف يقول: “من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن هي التي قامت بهذه الثورات العربية غير أنها هي التي لعبت دوراً بارزاً في مرافقة وتدريب وتأطير وتمويل أبرز النشطاء السياسيين – سواء في تونس أو في مصر أو في بقية الدول العربية التي شهدت الاضطرابات العربية، علماً أن عمليات التدريب والتأطير والتمويل قد بدأت قبل مدة طويلة من اشتعال فتيل الاحتجاجات في الشارع العربي”.
يذكر المؤلف أن العديد من الدوائر أو المنظمات الأميركية هي التي تولت عمليات التكوين والتأطير والتمويل على مدى أشهر –بل أعوام– وخاصة تلك المؤسسات والمنظمات التي تعنى بعملية “تصدير الديمقراطية” مثل (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) (USAID) و(الصندوق الوطني للديمقراطية) (National Endowment for Democracy) ومؤسسة (فريدوم هاوس) (Freedom) (House) ومؤسسة ( .(Open Society Institut
يؤكد العديد من المصادر الموثوق بها أن الصندوق الوطني للديمقراطية (NED) قد ظل على مدى أكثر من ثلاثين عاماً تولى في كنف السرية التامة تنفيذ الجانب القانوني من العمليات غير القانونية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
يذكر المؤلف أيضاً أن (الصندوق الوطني للديمقراطية) (NED) هو بمثابة الوجهة القانونية الناعمة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وقد تمكنت هذه المؤسسة (الواجهة) خلال هذه الفترة الطويلة من نشر أضخم شبكة فساد على مستوى العالم، جنّدت من خلالها نقابات عمالية، ومديري شركات، إضافة إلى أحزاب سياسية من اليمين واليسار ومؤسسات المجتمع المدني على حد سواء بغرض الدفاع عن المصالح الأميركية نيابة عن أعضائها.
يقول الكاتب إن العشرات من مؤسسات المجتمع المدني – من دول الشمال الأفريقي إلى بلدان “الشرق الأوسط” والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي – قد استفادت من برامج التكوين والتدريب والتأطير والتمويل التي ظلت توفرها هذه المؤسسات الأميركية تحت مسميات وعناوين اختلفت في الشكل غير أنها التقت في المضمون. كما أن هذه البرامج تتراوح ما بين التكوين والتأطير والتدريب، وصولاً إلى التمويلات المباشرة وغير المباشرة، علماً أن السفارات الأميركية قد لعبت دوراً ميدانياً كبيراً في مختلف الدول العربية، بعيداً عن الدور الذي تحدده القوانين والأعراف الدولية.
خلال العقدين الماضيين من الزمن، أنفقت (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) (USAID) على سبيل المثال ما لا يقل عن تسع مليارات دولار من أجل “نشر الديمقراطية الأميركية في العالم”، علماً أن سلطات واشنطن قد صممت هذا البرنامج ليشمل مائة دولة في العالم. كذلك توفر (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) (USAID) مظلة تشمل منظمات أخرى مثل (الصندوق الوطني للديمقراطية) (National Endowment for Democracy) والمعهد الجمهوري الدولي (IRI) والمعهد القومي الديمقراطي (NDI) ، وهما مؤسستان مهمتهما نشر الديمقراطية على المنوال الأميركي. وأغلب الأموال المخصصة لتمويل هذه البرامج تأتي من الكونغرس الأميركي فيما تتولى وزارة الخارجية الأميركية توزيعها.
يخصص المؤلف جزءاً كبيراً من كتابه لتحليل العلاقة ما بين قادة شبكات التواصل الاجتماعي “تويتر” و”فيسبوك” و”غوغل” على وجه الخصوص والإدارة الأميركية. كما أنه تعمق في تحليل الأدوار الخطيرة التي قامت بها هذه الأدوات التواصلية على الشبكة العنكبوتية، وهو ما مكّن الولايات المتحدة الأميركية من ركوب هذه الاضطرابات التي شهدتها الدول العربية حتى تؤثر في مسارها ولا ترتد عليها، علماً أنها قد لعبت نفس الدور من قبل في الثورات الملوّنة التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية.
يقول المؤلف: “لعل ما يدعو إلى الغرابة أن الأعلام الأميركية لم تكن تحرق في تلك التظاهرات التي اجتاحت المدن والعواصم العربية. فالمنطق يقول إن المتظاهرين يبادرون بإحراق الأعلام الأميركية تنديداً بالدعم الأميركي لهذه الأنظمة العربية على مدى عقود من الزمن”.
يذكر المؤلف أنه لم يشأ أن يركز في كتابه على الأبعاد السياسية الجيو-استراتيجية لما يسمى “الربيع العربي”، وذلك أن الموضوع قد تطرقت إليه العديد من الدراسات والمؤلفات الأخرى باستفاضة حيث إنه اختار لنفسه التطرق إلى خبايا هذه التظاهرات غير البريئة التي عمت الشارع العربي وتعرية “الربيع العربي” من الرومانسية التي أضفتها عليها الدوائر الغربية، وخاصة منها وسائل الإعلام. كما يقول إن “عملية غسيل أدمغة الشباب العربي قد بدأت منذ سنة 2007 مع التركيز خاصة على الشباب المستخدم للانترنت”. ويضيف “أن بلاد العم سام قد وضعت العديد من الاستراتيجيات من أجل إضعاف الأنظمة المستهدفة والإطاحة بها وإظهار الأمر على أنه نتاج حركة شعبية ومطلبية داخلية صرفة”.
لقد راهنت الولايات المتحدة الأميركية على تنفيذ هذه الاستراتيجية على (المجتمع المحلي)، وذلك من أجل التوصل إلى السيطرة على منظمات المجتمع المدني التي تقوم بعمل ميداني في العمق حتى تتحول بالتالي هذه المؤسسات إلى أدوات متناسقة في أدوراها وأنشطتها مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية. ووضعت الولايات المتحدة الأميركية هذا البرنامج الاقليمي الذي يشمل مواطني “الشرق الأوسط” والشمال الأفريقي ويراهن على الشباب ومؤسسات المجتمع المدني التي يسهل اختراقها مع رفع شعارات براقة تروق لهذه الفئات الشبابية الحالمة مثل “بناء المجتمعات التعددية والتشاركية وتحقيق الرخاء للجميع”.
يقول المؤلف إن السفارات الأميركية قد لعبت دوراً فاعلاً من الدرجة الأولى في تنفيذ هذه الاستراتيجية الميدانية وتقديم التمويلات اللازمة للأفراد والمؤسسات (المدنية) المستهدفة مع إضفاء “الصبغة الدبلوماسية الناعمة” على هذه البرامج والمساعدات حتى يسهل تمريرها. ولم تبخل الإدارة الأميركية في توفير الموارد والإمكانيات من أجل التدخل في الشؤون الداخلية حيث إنها راحت تقدم المساعدات المباشرة للجمعيات المحلية.
يقول أن السفارات الأميركية قد لعبت دورًا محوريًا حيث إنها عيّنت مسؤولين من أجل تولي مسألة التمويل، علمًا أن هؤلاء الأشخاص على اتصال مباشر مع المنظمات غير الحكومة والجمعيات المكوّنة للمجتمع المدني. لقد أصبحت هذه المهمات جزءاً لا يتجزأ من الدبلوماسية الأميركية. ويعتبر المؤلف أن ما حدث من “ثورات” في الدول العربية منذ سنة 2011 – بدءاً بتونس ومصر، يحمل كل سمات تلك “الثورات الملونة” التي هزّت دول الشرق منذ سنة 2000. فقد حصل المشاركون في تلك التحركات على المساعدة الأميركية اللازمة من “تدريب” و”تأمين” وتمويل ومساعدة لوجيستية وتنظيمية. يخلص المؤلف إلى القول إن هناك أيادي أميركية كانت تحرك الاضطرابات في الشارع العربي.
ويقول المؤلف إن هناك نقاط تشابه كثيرة بين ما حدث في الشرق وما شهدته بعض الدول العربية منذ سنة 2011. ففي الفترة ما بين سنتي 2000 و2005، سقطت الحكومات الموالية لروسيا في كل من صربيا وجورجيا وأوكرانيا وكيرغيزيستان من دون إراقة نقطة دم واحدة، وذلك ضمن استراتيجية تقودها الولايات المتحدة الأميركية لتفكيك إرث الاتحاد السوفياتي.
يتطرق المؤلف إلى تعامل وسائل الإعلام الغربية التي راحت تصوّر ما يحدث على أنه يمثل حراكاً شعبياً وتلقائياً. في الحقيقة قد كانت تلك “الثورات الملوّنة” التي اجتاحت الدول الشيوعية السابقة في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا نتاج خطة استراتيجية تداخلت فيها أجهزة الاستخبارات والدوائر الدبلوماسية ووسائل الإعلام. وقد كانت رأس الحربة في تنفيذ تلك الاستراتيجية منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأميركية – مثل (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) (USAID)و(الصندوق الوطني للديمقراطية) (National Endowment for Democracy) و(المعهد الجمهوري الدولي) (IRI) و(المعهد القومي الديمقراطي) (NDI) ، وهي الأطراف نفسها التي نشطت في الدول العربية قبل اندلاع شرارة ما يسمى “الربيع العربي”.
فقد تولّت هذه المؤسسات والمنظمات الأميركية تمويل “الثورات الملونة” تحت شعارات متعددة مثل (أتوبور) (Otopor) أي المقاومة في صربيا و(كمارا) (Kmara) (كفى) في جورجيا و(بورا) (PORA) (حانت الساعة) في أوكرانيا و(كلكل) (kelkel) (النهضة) في كيرغيزيستان. لقد رفعت شعرات مشابهة، إن لم تكن مماثلة ومتطابقة لتلك التي رفعت في الدول العربية التي عمتها الاضطرابات خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ففي تونس رفع شعار (أرحل) (Degage) فيما رفع شعار (كفاية) (Kefaya) في مصر مع قبضة يد في الهواء شبيهة بشعار (Otopor) ما يوحي بأن هناك خيطاً يربط بين كل هذه “الثورات”.
أما نقطة الشبه الثانية – بحسب المؤلف – فهي تتمثل في الاعتماد على تقنية المعلومات وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” من أجل زعزعة الأنظمة السياسية الحاكمة وإسقاطها وهو ما أفرز مفاهيم جديدة عدة مثل (نشطاء الانترنت) (Cyber dissidents) و(ثورات الانترنت) (Cyber revolutions) التي أسهب المؤلف في تحليلها وتفكيك آلياتها.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تقوم شركة مقرها في ولايات ماساتشوتس الأميركية بتصميم برنامج جديد يعرف باسم (تور) (TOR) ، وهو يسمح للنشطاء الذين يدورون في فلك الولايات المتحدة الأميركية بالإبحار في الشبكة العنكبوتية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعية مع الحفاظ على السرية الشخصية الكاملة وقد وضعت هذه التقنية الجدية على ذمة النشطاء الذين يسعون لإسقاط النظم الدكتاتورية في بلدانهم”.
يؤكد المؤلف بالدليل القاطع أن نفس هذه الشركة الأميركية هي التي ساعدت النشطاء في تونس ومصر وبقية البلدان العربية على كسر الرقابة التي تفرضها بلدانهم. بل إن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون قد أعلنت في كانون الثاني/ يناير 2010 تخصيص مبلغ 30 مليون دولار أمريكي للشركات المتخصصة في صنع البرمجيات لمساعدة منظمات المجتمع المدني والنشطاء المعارضين الذين يعيشون في ظل أنظمة استبدادية على كسر الرقابة وتشفير رسائلهم ومحو آثارهم حتى يصعب بعد ذلك على الأجهزة المختصة في بلدانهم تعقبهم. وقد تولت الأجهزة الفيدرالية الأميركية توزيع هذه البرمجيات مجاناً على النشطاء العرب – من المحيط إلى الخليج – بعد ترجمتها إلى لغتهم الأصلية وقد دافعت سلطات واشنطن عن موقفها ورفعت شعار “انترنت حرة رغم الرقابة”.
وهنا يسرد المؤلف العديد من التفاصيل المهمة حول طبيعة الدور الذي لعبته الولايات المتحدة بالاعتماد على هذه التقنيات المتطورة، وهو يقدم الأدلة على أن إدارة الرئيس أوباما قد وزعت هذه البرمجيات مجاناً على النشطاء الذين يدورون في فلكها في مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن والمغرب وسوريا، وذلك من أجل تأجيج مشاعر الغضب الشعبي وإشعال فتيل الثورات والانتفاضات.
يبيّن المؤلف أن المؤسسات الأميركية – وخاصة منها (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) (USAID) والصندوق الوطني للديمقراطية (National Endowment for Democracy) والمعهد الجمهوري الدولي (IRI) والمعهد القومي الديمقراطي (NDI) تحرص على التواصل فقط مع (منظمات المجتمع المدني) -وهي كلمة فضفاضة ومظلة لكل من هب ودب. كما أن هذه المؤسسات لا تقدم المساعدات إلى الحكومات الأجنبية كما أنها لا تتفاوض معها من أجل إبرام معاهدات أو اتفاقيات ثنائية. أما الدول المحددة في قائمة معيّنة والتي تحظى بالأولوية في تنفيذ هذه الاستراتيجية فهي تشمل اليمن والمملكة العربية السعودية وتونس والبحرين ومصر وليبيا وسوريا.
منذ شهر أيلول/ سبتمبر 2011 أنشئ في العاصمة الأميركية واشنطن مكتب خاص بالمنسق الأميركي الخاص بعملية الانتقال في “الشرق الأوسط” وقد عيّن على رأسه (وليام تايلور) وهو دبلوماسي يكاد يكون متخصصاً في “الثورات”. وقد عمل سفيراً للولايات المتحدة الأميركية في أوكرانيا خلال “الثورة البرتقالية” ما بين سنتي 2006 و2009.
ويخلص المؤلف إلى القول: إن كل هذه الدلائل تظهر أن الربيع العربي أبعد ما يكون عن الحراك الشعبي البريء والتلقائي وإن الإدارة الأميركية هي التي لعبت دوراً على مدى أعوام في تهيئة الأجواء وفق استراتيجية تولّت السفارات تنفيذها، مستغلة في ذلك تعطش الشعوب العربية إلى التغييرات السياسية وتلبية المطالب الاجتماعية. لقد عملت الولايات المتحدة الأميركية أيضاً على بناء شبكة من النشطاء ودعاة الإصلاح من أجل تبادل المعلومات وتنسيق التحركات وإحداث التغيير في المنطقة –من الشمال الافريقي إلى الخليج العربي- فيما تتولى السفارات توفير التمويلات اللازمة. وكشف هنا عما أسماه دوراً تخريبياً للولايات المتحدة الأميركية في الجزائر خلال أعمال الشغب، بتواطؤ جمعيات ونقابات وشخصيات من المجتمع المدني. ودور الولايات المتحدة الأميركية في ثورات الشارع العربي، كيف استفادت بعض الجمعيات والنقابات وشخصيات المجتمع المدني في الجزائر من إعانات ومساعدات التنظيمات والوكالات الأميركية، التي “تصدّر” حالياً الديمقراطية إلى الوطن العربي.
أشار المؤلف إلى “الثورات الملونة” في صربيا وجورجيا وأوكرانيا وكيرغيزيستان” ليشرح أن “نموذج حدوث هذه الثورات العربية لها كلها مميّزات الثورات الملّونة التي هزّت البلدان الشرقية آنذاك”. وأضاف “أن الرأي العام يعرف أن هذه الثورات كانت مهيكلة ومموّلة من قبل وكالات الولايات المتحدة الأميركية، فانه من المنطق أن يكون وجود ليد أميركية وراء هذه الثورات في الشارع العربي”.
الكتاب المذكور من تأليف الأكاديمي الكندي من أصل جزائري أحمد بن سعادة وقد استمد معلوماته من مئات الوثائق المهمة التي توضح دور الولايات المتحدة الأميركية بمختلف دوائرها ومؤسساتها ومعاهدها البحثية في تأجيج القلاقل والاضطرابات في الشارع العربي بهدف إسقاط النظم الحاكمة، وفي مقدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية – سي آي إيه.

*باحث مصري.

Optimized by Optimole